الدرس الرابع والعشرون : سؤال الله صلاح الأزواج والذرية ، للشيخ عمر مصطفي
مفاتيح الجنان بذكر صفات عبـــاد الرحـمن : للشيخ عمر مصطفي ، 24 رمضان 1444 هـ – 15 إبريل 2023م
الدرس الرابع والعشرون
سؤال الله صلاح الأزواج والذرية
العناصر
أولاً : الدعـــــــاء يدل علي وجهـــــة الإنســـان
ثانياً :حريصون علي امتداد الخير وما يطيل العمر
ثالثاً : خير ما يكنــز الإنســان المرأة الصـــالحة
لتحميل الدرس بصيغة word
لتحميل الدرس بصيغة pdf
الموضوع
الحَمْدُ لله الدَّاعي إلى بابه، الهادي من شاء لصوابِهِ، أنعم بإنزالِ كتابِه، فيه مُحكم ومتشابه، فأما الَّذَينَ في قُلُوبهم زَيْغٌ فيتبعونَ ما تَشَابَه منه، وأمَّا الراسخون في العلم فيقولون آمنا به، أحمده على الهدى وتَيسيرِ أسبابِه، وأشهد أنْ لا إِله إلاَّ الله وحدَه لا شَريكَ له شهادةً أرْجو بها النجاةَ مِنْ عقابِه، وأشهد أنَّ محمداً عبدُه ورسولُه أكمَلُ النَّاس عَملاً في ذهابه وإيابه ، اللهم صلي عليه وعلي آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلي يوم الدين . أما بعد :
أولاً : الدعـــــــاء يدل علي وجهـــــة الإنســـان
عباد الله : ما زلنا في رحاب القرآن الكريم ، ومع هؤلاء الصفوة ، ومع صفة أخري وهي سؤال الله صلاح الأزواج والذرية ، قال تعالي : {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} (74)(الفرقان).
ذكر الله سبحانه وتعالي أنهم لا يكتفون بهذه المناقب الحميدة التي وهبهم الله إياها، وإنما هم يتضرعون إليه سبحانه وتعالي أن يجعل منهم الذرية الصالحة، وأن يرزقهم الزوجات الصالحات ، فيقولون في دعائهم وتضرعهم يا رَبَّنا هَبْ لَنا بفضلك وجودك مِنْ أَزْواجِنا وَذُرِّيَّاتِنا قُرَّةَ أَعْيُنٍ ، أي ما يجعل عيوننا تسر بهم، ونفوسنا تنشرح برؤيتهم، وقلوبنا تسكن وتطمئن ، لأنهم أتقياء صالحون مهتدون.(التفسير الوسيط).
يدعون ويبتهلون ويتضرعون إلي الله أن يهب لهم من أزواجهم وذرياتهم ما تقر به عيونهم وتسر به قلوبهم وتنشرح صدورهم ، فدعاؤهم يدل علي وجهتهم ، فمن كانت وجهته الدنيا انحصر دعاؤه وطلبه للدنيا ، ومن كانت وجهته الآخرة فهمه الآخرة ، فالدعاء يدل علي وجهة الإنسان، و ذكر الله لنا أصناف الناس في الدعاء في سورة البقرة ، قال تعالي:{ فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ (200) وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (201) أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ }(202)(البقرة).
أي : وإذا فرغتم من أعمال الحج وشعائره فدعوا ما كنتم عليه فى الجاهلية من التفاخر بالآباء وذكر مآثرهم، وليكن ذكركم وتمجيدكم لله فاذكروه كما كنتم تذكرون آباءكم، بل اذكروه أكثر من ذكر آبائكم لأنه ولى النعمة عليكم وعلى آبائكم، ومواطن الحج هى مواطن الدعاء وسؤال الفضل والخير والرحمة من عند الله، وقد كان فريق من الحجاج يقصر دعاءه على عرض الدنيا وخيراتها ولا يلقى بالاً للآخرة فهذا لا نصيب له فى الآخرة، ومن الناس من وفَّقه الله فاتجه بقلبه إلى طلب خيرى الدنيا والآخرة، ودعا الله أن يجنبه شر النار وعذابها، فهؤلاء يعطون ما قُدِّر لهم مما كسبوه بالطلب والركون إلى الله. والله يجزى كلاً بما يستحق، وهو سريع الحساب والجزاء.(تفسير المنتخب).
وهذه نماذج تدل علي وجهة أصحابها وغاياتهم :
** دعاء الراسخون في العلم ، قال تعالي: {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ }(8)(آل عمران).
يقولون: يا ربنا لا تَصْرِف قلوبنا عن الإيمان بك بعد أن مننت علينا بالهداية لدينك، وامنحنا من فضلك رحمة واسعة، إنك أنت الوهاب: كثير الفضل والعطاء، تعطي مَن تشاء بغير حساب.(التفسير الميسر).
**وهذا دعاء أولي الألباب ، قال تعالي: {رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ (193) رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ }(194)(آل عمران).
{رَبَّنَا فاغفر لَنَا ذُنُوبَنَا} أي استر لنا ذنوبنا ولا تفضحنا بها {وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا} أي امح بفضلك ورحمتك ما ارتكبناه من سيئات {وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبرار} أي ألحقنا بالصالحين.(صفوة التفاسير).
**وهؤلاء فتية الكهف ، قال تعالي: {إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا }(10)(الكهف). يقولون ربنا أعطنا مِن عندك رحمة، تثبتنا بها، وتحفظنا من الشر، ويسِّر لنا الطريق الصواب الذي يوصلنا إلى العمل الذي تحب، فنكون راشدين غير ضالين.(التفسير الميسر).
**وهذا دعاء الخليل عليه السلام ، قال تعالي :{رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ (40) رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ }(41)(إبراهيم). يقول رب وفقنى لأداء الصلاة على وجهها، ووفق لأدائها كذلك الأخيار من ذريتى، ربنا تقبل دعائى قبول المستجيب.(تفسير المنتخب).
فهذه الأدعية وغيرها من دعوات الأنبياء والمرسلين ، ومن دعوات الصالحين ومنهم عباد الرحمن تدل علي وجهتهم وغايتهم ، فغايتهم الآخرة وما عند الله فانشغلوا بذلك وطلبوه من الله تعالي .
ثانياً : حريصــون علي امتداد الخير وما يطيل العمــر
عباد الله: إن هؤلاء الصفوة ليسوا مشغولين بأنفسهم فقط ، وإنما مشغولين بغيرهم حريصين علي امتداد الخير بعدهم ، وكما قيل ما استحق أن يولد من عاش لنفسه ، فهؤلاء عاشوا لأنفسهم فأصلحوها وانشغلوا بغيرهم أيضاً يريدون صلاحهم فكانت دعوتهم بصلاح الأزواج والذرية .
وإذا كان الإنسان يريد الخير ، فأقرب من يرجو له الخير زوجته ، وذريته ، والدعاء والطلب من الله سبب ووسيلة لإصلاحهم ولكن هناك أسباب أخري نحن مطالبون بها ، لأن الأهل والأولاد أمانة نسأل عنها بين يدي الله يوم القيامة . فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّهُ: سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالإِمَامُ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ فِي أَهْلِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالمَرْأَةُ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالخَادِمُ فِي مَالِ سَيِّدِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ»، قَالَ: فَسَمِعْتُ هَؤُلاَءِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَحْسِبُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «وَالرَّجُلُ فِي مَالِ أَبِيهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ»(صحيح البخاري).
وقال الله تعالي: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ }(6)(التحريم).
قال علي رضي الله عنه في قوله : { قوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً } يقول أدبوهم وعلموهم ، وقال ابن عباس : اعلموا بطاعة الله واتقوا معاصي الله وأمروا أهليكم بالذكر ينجيكم الله من النار ، وقال مجاهد : اتقوا الله وأوصوا أهليكم بتقوى الله ، وقال قتادة : تأمرهم بطاعة الله وتنهاهم عن معصية الله ، وأن تقوم عليهم بأمر الله وتساعدهم عليه ، فإذا رأيت لله معصية قذعتهم عنها وزجرتهم عنها ، وقال الضحاك : حق على المسلم أن يعلم أهله من قرابته وإمائه عبيده ما فرض الله عليهم وما نهاهم الله عنه ، وفي معنى هذه الآية الحديث الشريف : « مروا الصبي بالصلاة إذا بلغ سبع سنين ، فإذا بلغ عشر سنين فاضربون عليها » ، قال الفقهاء : وهكذا في الصوم ليكون ذلك تمريناً له على العبادة لكي يبلغ ، وهو مستمر على العبادة والطاعة ومجانبة المعصية وترك المنكر .(مختصر تفسير ابن كثير ).
وصلاح الذرية امتداد للخير ، وطول للعمر فالولد الصالح يدعو لك وينشر ما علمته إياه من خير وصلاح فتؤجر وأنت في قبرك كأنك ما زلت حياً ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ” إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ “(صحيح مسلم).
ثالثاً : خير ما يكنــز الإنســان المرأة الصـــالحة
المرأة الصالحة التي تعين العبد علي أمور دينه ودنياه هي خير ما يكنز الإنسان ، لذلك أمر النبي صلي الله عليه وسلم باختيار صاحبة الدين عند الزواج.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ” تُنْكَحُ المَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ، تَرِبَتْ يَدَاكَ “(صحيح البخاري).
فالأغراض التي تنكح من أجلها المرأة في الغالب تنحصر في هذه الأربع المال: من أجل أن ينتفع به الزوج ، والحسب: يعني أن تكون من قبيلة شريفة، من أجل أن يرتفع بها الزوج ، والجمال: من أجل أن يستمتع بها الزوج.
والدين: من أجل أن تعينه على دينه، وتحفظ أمانته وترعى أولاده ، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((فاظفر بذات الدين تربت يداك)) يعني تمسك بها واحرص عليها، وحث على ذلك بقوله: ((تربت يداك)) وهذه الكلمة تقال
عند العرب للحث على الشيء.(شرح رياض الصالحين).
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «الدُّنْيَا مَتَاعٌ، وَخَيْرُ مَتَاعِ الدُّنْيَا الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ»(صحيح مسلم). الدُّنْيَا مَتَاع أَي شَيْئا يتمتع بِهِ حينا مَا وَخير متاعها الْمَرْأَة الصَّالِحَة قَالَ الْقُرْطُبِيّ فسرت فِي الحَدِيث بقوله الَّتِي إِذا نظر إِلَيْهَا سرته وَإِذا أمرهَا أَطَاعَته وَإِذا غَابَ عَنْهَا حفظته فِي نَفسهَا وَمَاله.( الديباج على صحيح مسلم للسيوطي).
عَن أبي هُرَيرة، قَالَ: قَالَ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وَسَلَّم: خير النساء امرأة إذا نظرت إليها سرتك، وإذا أمرتها أطاعتك، وإذا غبت عنها حفظتك في نفسها ومالك.(مسند البرار).
فاللهم إنا نسألك صلاح الأزواج والذرية اللهم ارزقْنا تِلاوةَ كتابِكَ حقَّ التِّلاوة، واجْعَلنا مِمَّنْ نال به الفلاحَ والسَّعادة. اللَّهُمَّ ارزُقْنا إقَامَةَ لَفْظهِ ومَعْنَاه، وحِفْظَ حدودِه ورِعايَة حُرمتِهِ ، اللَّهُمَّ ارزقْنا تلاوته على الوجهِ الَّذِي يرْضيك عنَّا. واهدِنا به سُبُلَ السلام. وأخْرِجنَا بِه من الظُّلُماتِ إلى النُّور. واجعلْه حُجَّةً لَنَا لا علينا يا ربَّ العالَمِين. اللَّهُمَّ ارْفَعْ لَنَا به الدَّرجات. وأنْقِذْنَا به من الدَّرَكات. وكفِّرْ عنَّا به السيئات. واغْفِر لَنَا وَلِوَالِديِنَا ولجميعِ المسلمينَ برحمتكَ يا أرْحَمَ الراحمين. وصلَّى الله وسلَّم على نبيِّنا محمدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعين.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
كتبه راجي عفو ربه عمر مصطفي